الجمعة، سبتمبر 04، 2009

كيف أكون عدلا؟

بسم الله الرحمان الرحيم

قال الله تعالى في كتابه العزيز:

" وَ ضَربَ الله مَثلا رَجليْنِ أحدُهُما أبكمُ لا يقدرُ على شيءٍ و هُوَ كَلٌّ على مولاه أينما يوجههّ لا يات بخير هل يستو هُوَ و مَن يامُرُ بالعَدْلِ و هُوَ على صِراطِ مُستقيـــــمٍ "


يضرب الله تبارك و تعالى لنا مثلا في هذه الآية الكريمة بنوعين من الناس, أحدهما العاجز الذي لا يخدم نفسه و بالأحرى الآخرين, و هو بذلك يشكل عالة على الآخرين و على المجتمع ككل, أما الآخر فهو عدل و على صراط مستقيم و هو عكس الأول, أينما وجهته يأت بخير.

أن يكون المرء عدلا يعني أن يكون إنسانا فعالا, و الفعالية هي قدرة الإنسان على استعمال وسائله الأولية و الذاتية لاستخراج أقصى ما يمكن استخراجه من النتائج. و يعتبر الدكتور جودت سعيد العدل مفهوما أشمل من الفعالية لان الإنسان العدل يسخر طاقاته الذاتية دائما في الحق, أي أنه يجمع بين الفعالية و الحق. أما العجز فيعرفه الدكتور باللافعالية أو السلبية أو التخلف, و الشخص العاجز هو عبء على المجتمع . و" الكَََلّ" مفهوم أشمل من العاجز لان الكَل بالإضافة إلى عجزه هو عبءٌ على مولاه.

صفات الإنسان الفعال

الإنسان العدل هو إنسان فعال في الخير, متطور, ذا قدرة تأثيرية على الآخرين, كما أنه يتمتع بثقة عالية بنفسه, ثقة مستمدة من إيمانه بالله و يقينه بمبادئه, و بمشروعه, كما أن الفعالية تصبح صفة ملازمة له في جميع الأحوال, فهو إنسان يقدس الوقت و ينظمه تنظيما فهو حكيم في إنفاق وقته الثمين, و هو كذلك مع المال و مع الجهد و مع كل النعم التي سخرها الله لنا لننفق منها ," و مما رزقناهم ينفقون", و من صفات الإنسان العدل أيضا أنه مستعد دائما لتصحيح أخطاءه و تغيير آراءه إذا اقتنع بخلافها, و هو كذلك حريص على الاستفادةِ مما يتعلمه و تبليغِه.

نماذج راقية

خير ما نستدل به و نتعلم من هديه حبيبنا المصطفى عليه أفضل الصلاة و أزكى التسليم, هل كان إنسانا عدلا فعالا , أم كان كلا عاجزا؟ أستغفر الله العظيم من قولها و كتابتها, بأبي هو و أمي, كم أوذي في الله من أجل أن يبلغ الرسالة التي أمر بتبليغها, و كم تحمل الأمانة على ثـقـلها, حتى بلغها كاملة غير منقوصة , " ألا هل بلغت, اللهم فاشهد ", اللهم اجزه عنا خير ما جزيت به نبيا عن أمته.

و ماذا لو توقفنا عند سيرة الصحابة و الصحابيات الكرام؟ هؤلاء الأشخاص الذين تربوا في حضن المدرسة النبوية, هل نجد مشهدا من مشاهد العجز و الضعف ؟ لا و الله, لو كانوا كذلك ما وصلوا لما وصلوا إليه , و لما تحول مجتمعهم من مجتمع جاهلي قبلي متخلف إلى مجتمع إسلامي متمدن فعال و منتج للمعارف و العلوم بعد ذلك. و لنا في قصة الصحابي الجليل ربعي بن عامر عبرة, لما سأله رستم الفارسي عن سبب مجيء المسلمين إلى الفرس فقال لهم:" إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام." و حين استمهله أياما ليبعث الرسائل و يستشير في هذا الأمر لم يمهلهم إلا ثلاثة أيام. تأملوا فاعلية هذا الرجل !

و هذه أسماء بنت يزيد الأنصارية, خطيبة النساء, تجمع تساؤلات النساء و تهممهن و تذهب وافدة إلى رسول الله عليه الصلاة و السلام و هو في مجلس علمه و الرجال حوله, لم تتردد, قامت و ألقت خطبتها و كان جائزتها بشارة من رسول الله لها و لجميع النساء, و لقبت بذلك ب"وافدة النساء" .و هذه أسماء بنت أبي بكر , ذات النطاقين, و سيدتنا عائشة العالمة المحدثة, و هؤلاء الكاملات آسية و مريم و فاطمة و خديجة , هل كن عاجزات محمولات أم كن فاعلات حاملات ؟

أعود إلى الفعالية و أقول, إذا كانت الفعالية هي استخراج الوسائل و الإمكانات الذاتية التي بداخلنا و توظيفها لاستخراج أقصى ما يمكن من النتائج, فلنقتحم عقبات نفوسنا و لنستخرج الطاقات التي وهبنا الله تعالى و لنستعملها من أجل تغير أنفسنا أولا, و تغيير مجتمعاتنا إلى الأصلح , و لننال الأجر و الثواب عند الله تعالى :" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".

المراجع:

1/" الإنسان حين يكون كََلاًّ و حين يكون عَدْلاً" د. جودت سعيد

2/" ثقتك ينفسك" د. إبراهيم الفقي

3/الإصابة في تمييز الصحابة –" البداية و النهاية" تاريخ الطبري

اقرأ أيضا

أوقفوا المحاكمات الصورية
ملف الأخت حياة