الاثنين، سبتمبر 06، 2010

سلام هي حتى مطلع الفجر

بقلم: سعيد مولاي التاج
الفهرس
------
  • فضلها واستحباب طلبها
  • ميقاتها وحكمة إخفائها
  • علامات ليلة القدر
  • قيامها والدعاء فيها
ليلة القدر ليلة عظيمة شرفها الله عز وجل بنزول القرآن فيها وفضلها على سائر الأيام والليال، وجعلها جوهرة رمضان المكنونة، وواسطة عقده المضنونة، جلاها ببواهر الأنوار، وخصها ببوارق الأسرار، فهي عروس رمضان المحجبة عن الأنظار، وبغية أهل البصائر والأبصار، فيها يفرق الأمر، ويجزل الأجر، ويضاعف العمر. لذا خص المولى الكريم بها الأمة المحمدية، وجعلها لنا تحفة سرمدية، فلله الحمد على فضله وإحسانه وصلى الله وسلم على سر الكون وإنسانه، سيدنا محمد وآله وخلانه. أما بعد فقد ذكر في سبب تسمية هذه الليلة بهذا الاسم أقوال عديدة نجملها إجمالا:
1. لشرفها وعظيم قدرها عند الله.
2. وقيل لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة، لقوله تعالى: ﴿ فيها يفرق كل أمر حكيم﴾ .
3. وقيل لأنه ينزل فيها ملائكة ذوات قدر.
4. وقيل لأنها نزل فيها كتاب ذو قدر، بواسطة ملك ذي قدر، على رسول ذي قدر، وأمة ذات قدر.
5. وقيل لأن للطاعات فيها قدراً عظيماً.
6. وقيل لأن من أقامها وأحياها صار ذا قدر.
والراجح أنها سميت بذلك لجميع هذه المعاني مجتمعة وغيرها، والله أعلم.
  • فضلها واستحباب طلبها
ليلة القدر أفضل ليالي السنة لقوله تعالى: ﴿ إنا أنزلناه في ليلة القدر. وما أدراك ما ليلة القدر. ليلة القدر خير من ألف شهر﴾ فالعمل فيها، من الصلاة والتلاوة، والذكر. خير من العمل في ألف شهر، ليس فيها ليلة القدر. وقد فضّـل الله عزّ وجلّ هذه الليلة على غيرها من الليالي والأيّـام، وأجزل لمن عبدَه وذكره، وفعل الخيرات والتمس المبرات، الثواب والأجر العظيم أكثرمن ليالي وأيام كثيرة ليس فيها ليلة القدر، تبلغ ألف شهر، وإذا كان الشهر ثلاثين يوماً تقريباً، كانت ليلة القدر خيراً من ثلاثين ألفاً من الأيّـام الأخرى، وأن من أحيا هذه الليلة بالعبادة والذكر والدعاء والأعمال الصالحة كان له من الثواب ما هو خير من ثلاثين ألفاً، وهي تعادل ثلاثاً وثمانين سنة وثلث السنة، وهذا عمر قلّ من أمة الإسلام من يبلغه، فكيف بمن يعبد الله فيه، ويتقرب إليه بالفرض والنفل. ومن فضائل الليلة الميمونة أيضا:
1- أنها ليلة أنزل الله فيها القرآن ، قال تعالى ﴿ إنا أنزلناه في ليلة القدر﴾ .
2- أنها ليلة مباركة، قال تعالى ﴿ إنا أنزلناه في ليلة مباركة﴾ .
3- يكتب الله تعالى فيها الآجال والأرزاق خلال العام، قال تعالى ﴿ فيها يفرق كل أمر حكيم﴾ .
4- تنزل الملائكة فيها إلى الأرض بالخير والبركة والرحمة والمغفرة، قال تعالى ﴿ تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر﴾ .
5- ليلة خالية من الشر والأذى وتكثر فيها الطاعة وأعمال الخير والبر، وتكثر فيها السلامة من العذاب ولا يخلص الشيطان فيها إلى ما كان يخلص في غيرها فهي سلام كلها، قال تعالى ﴿ سلام هي حتى مطلع الفجر﴾ .
6- فيها غفران للذنوب لمن قامها واحتسب في ذلك الأجر عند الله عز وجل، قال صلى الله عليه وسلم: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" [1] .
ويقول الشهيد سيد قطب رحمه الله في معرض حديثه عن ليلة القدر: "ونجد أنفسنا أمام قول الله تعالى: " ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ " إنها لمباركة حقّـاً، تلك الليلة التي يفتح فيها ذلك الفتح على البشريّـة والتي يبدأ فيها استقرار هذا المنهج الإلهي في حياة البشر، والتي يتصل فيها الناس بالنواميس الكونيّـة الكبرى مترجمة في هذا القرآن ترجمةّ يسيرة، تستجيب لها الفطرة وتلبّـيها في هوادة، وتقيم على أساسها عالماً إنسانيّـاً مستـقرّاً على قواعد الفطرة واستجاباتها، متناسقاً مع الكون الذي يعيش فيه، طاهراً نظيفاً كريماً بلا تعمل ولا تكلّف .. يعيش فيه الإنسان على الأرض موصولاً بالسماء في كل حين!" [2]
  • ميقاتها وحكمة إخفائها
قال الشيخ سيد سابق في فقه السنة: "ويستحب طلبها في الوتر من العشر الأواخر من رمضان فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في طلبها في العشر الأواخر من رمضان. حيث كان إذا دخل العشر الأواخر أحيى الليل وأيقظ أهله، وشد المئزر (أي اعتزل النساء واشتد في العبادة)" .
وللعلماء آراء في تعيين هذه الليلة، فمنهم من يرى أنها ليلة الحادي والعشرين، ومنهم من يرى أنها ليلة الثالث والعشرين ومنهم من يرى أنها ليلة الخامس والعشرين، ومنهم من ذهب إلى أنها ليلة التاسع والعشرين، ومنهم من قال: إنها تنتقل في ليالي الوتر من العشر الأواخر. وأكثرهم على أنها ليلة السابع والعشرين. روى أحمد - بإسناد صحيح - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان متحريها فليتحرها ليلة السابع والعشرين" . وروى مسلم، وأحمد، وأبو داود، والترمذي - وصححه عن أبي ابن كعب أنه قال: "والله الذي لا إله إلا هو، إنها لفي رمضان - يحلف ما يستثني - ووالله إني لا علم أي ليلة هي، هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها، هي ليلة سبع وعشرين، وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها، بيضاء، لا شعاع لها" .
حكمة الإخفاء
أما إخفاء ليلة القدر في شهر رمضان، فقد أبان الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة أن مظانّ التماسها العشر الأواخر، وأكّـد على التماسها في وتر هذه الليالي، ليجتهد المؤمن في العبادة، وضبط النفس على الطاعات طوال ليالي شهر رمضان من جهة، ثم ليضاعف من اجتهاده في العشر الأواخر منه، ثم ليزيد من الحرص وحسن العبادة في الآحاد، رغبة في أن يظفر بلقياها واغتـنام خيراتها!
يروي الشيخان وغيرهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله كان يعتكف في العشر الأواسط من رمضان، فاعتكف عاماً، حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين (وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه)، قال: "من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر، فقد أُرِيت هذه الليلة، ثم أُنسيتها، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها، فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر" . فمطرت السماء تلك الليلة، وكان المسجد على عريش، فوكف المسجد، فبصُرت عيناي رسول الله على جبهته أثر الماء والطين، من صبح إحدى وعشرين!
وفي رواية عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجالاً من أصحاب النبي أُرُوا ليلة القدر في المنام، في السبع الأواخر، فقال رسول الله: "أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحرّيها فليتحرّها في السبع الأواخر" وتعددت الروايات في ذلك!
  • علامات ليلة القدر
ذكر العلماء أن لليلة القدر علامات كبرى وعلامات صغرى:
العلامات الكبرى:
1- قوة الإضاءة والنور في تلك الليلة، وهذه العلامة في الوقت الحاضر لا يحس بها إلا من كان في البر بعيداً عن الأنوار.
2- الطمأنينة، أي طمأنينة القلب، وانشراح الصدر من المؤمن، فإنه يجد راحة وطمأنينة وانشراح صدر في تلك الليلة أكثر من مما يجده في بقية الليالي.
3- أن الرياح تكون فيها ساكنة أي لا تأتي فيها عواصف أو قواصف، بل بكون الجو مناسبا.
4- أنه قد يُري الله الإنسان الليلة في المنام، كما حصل ذلك لبعض الصحابة رضي الله عنهم.
5- أن الإنسان يجد في القيام لذة أكثر مما في غيرها من الليالي.
العلامات الصغرى:
هناك بعض العلامات التي يستدل بها البعض على ليلة القدر:
1. أن الشمس تطلع في صبيحتها ليس لها شعاع، صافية ليست كعادتها في بقية الأيام، ويدل لذلك حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها" [3] وقال صلى الله عليه وسلم: "وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها" [4] . وهذا الحديث الذي رواه مسلم ربما يكون الأصح في علامات ليلة القدر وأماراتها، غير أنه لا يمكن القطع على وجه اليقين أن تكون أية ليلة، والحكمة في ذلك أن الله تعالى يريد أن يتعبدنا في هذه الليالي، وليس من الأدب مع الله تعالى أن يتعبد الإنسان ليلة، فإذا حاز شرفها ترك العبادة.
2. وكان عبدة بن لبابة يقول: هي ليلة سبع وعشرين؛ ويستدل على ذلك بأنه قد جرب ذلك بأشياء وبالنجوم، وروي عنه كذلك أنه ذاق ماء البحر ليلة سبع وعشرين فإذا هو عذب.
3. أن ليلتها تكون معتدلة ليست باردة ولا حارة. وفي الحديث: "ليلة القدر ليلة طلقة لا حارة ولا باردة، تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة" [5] . وقال عليه الصلاة والسلام: "إني كنت أُريت ليلة القدر ثم نسيتها، وهي في العشر الأواخر، وهي طلقة بلجة لا حارة ولا باردة، كأن فيها قمرًا يفضح كواكبها، لا يخرج شيطانها حتى يخرج فجرها" [6] .
4. أن الكلاب لا تنبح فيها وكذلك الحمير لا تنهق فيها.
5. أنه يرى نور.
6. الملائكة تطوف بالبيت العتيق فوق رؤوس الناس. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الملائكة تلك الليلة أكثر في الأرض من عدد الحصى" [7] .
7. استجابة الدعاء في ليلة سبع وعشرين.
  • قيامها والدعاء فيها
واعلم أخي أن الأعمال بخواتيمها، فإذا فاتك الاجتهاد في أول الشهر فلا تغلب على آخره، ففيه العوض عن أوله. وكما قال قائلهم:
كل الليالي ليلة القدر فاجتهد
وكل من لقيت الخضر فاعتقد

اللهم اشملنا بعفوك وتكرم علينا بسترك آمين والحمد لله رب العالمين.

من
1 - روى البخاري ومسلم، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه" . 2 - وروى أحمد، وابن ماجه، والترمذي - وصححه - عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: "قلت: يا رسول الله. أرأيت إن علمت، أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني" . www.aljamaa.net
تاريخ النشر: الأربعاء 16 سبتمبر/تشرين الأول 2009
[1] متفق عليه.
[2] في ظلال القرآن.
[3] رواه مسلم.
[4] رواه مسلم.
[5] رواه ابن خزيمة وصححه الألباني.
[6] رواه ابن حبان.
[7] رواه ابن خزيمة وحسن إسناده الألباني.

الأربعاء، سبتمبر 01، 2010

نداء العشر الأواخر

ها هي خلاصة رمضان قد أهلت، ها هي جوهرة رمضان قد أقبلت، ها هي صفوة لياليه قد لاحت، ها هي العشر الأواخر قد أشرقت، فكيف نستقبلها ونعيشها ونحياها حتى نظفر ببركة العشر الأواخر؟.
لقد خص الله تعالى شهر رمضان بنفحات إلهية وأسرار ربانية خاصة ذكرها لنا كتابه العزيز وأحاديث نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم،كما خص هذا الشهر العظيم بميزة ليست لغيره من الشهور وهي العشر الأواخر المباركة التي يمن فيها الله تعالى على عباده بالعتق من النار.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحيي ليالي العشر الأواخر من رمضان بالصلاة والذكر والقيام وقراءة القرآن وكان يوقظ أهله حتى لا يفوتهم خير هذه الليالي، ففي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله إذا دخلت العشر شد مئزره (أي كان يعتزل النساء) وأحيا ليله وأيقظ أهله" ولعائشة أيضا عند مسلم "كان رسول الله يجتهد في العشر مالا يجتهد في غيرها" ولها أيضا في الصحيحين: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله" .
وكما خص الله تعالى السنة بشهر فضيل هو شهر رمضان، وخص شهر رمضان بعشر ليالٍ عظيمة هي العشر الأواخر، فقد خص العشر الأواخر بليلة مباركة، ليلة بهية زاهية هي ليلة القدر، ليلة نزول القرآن والتي هي خير من ألف شهر. نعم إنها ليلة القدر التي من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، إنها ليلة القدر التي إن وُفِّقْتَ لقيامها وإحيائها كتب لك كأنك عبدت الله أكثر من ثلاث وثمانين سنة. إنها ليلة القدر، ليلة العتق والمباهاة، والدعاء والمناجاة، والقربة والمصافاة، وكم ستكون الحسرة كبيرة إن فاتتنا هذه الليلة العظيمة المباركة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الشهر قد حضركم، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرمها فقد حُرم الخير كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم" .
وما علينا أخي/أختي إن أردنا موافقتها واغتنام فضلها وبركتها والتعرض لنفحاتها وأسرارها إلا أن نجتهد في الليالي العشر كاملة لأن الله أخفاها فيها.

منقول من:
www.aljamaa.net

السبت، أغسطس 07، 2010

الشعبة الحادية والستون : الصوم

رابع أركان الإسلام، والضابط المتمم لضوابط الشهادتين والصلاة والزكاة. فتوحيد الله عز وجل، والإقرار له بالعبودية، خروج عن سلطان الهوى المتأله، الصلاة تحقيق لهذه العبودية بالخضوع لكيفياتها وأوقاتها، والزكاة تحرر من غريزة التملك، والصيام امتلاك للشهوة. فمن كملت له السيطرة على نفسه بحبسها في إطار الإسلام، وصبرها على تكاليف الإيمان، فقد تأهل للجهاد. والحج خامس أركان الإسلام وهو أحد وجوه الجهاد. للصوم زيادة على أثره التربوي فضل في رفع الروحانية وتصفيتها، فهو إمساك الجسم والنفس عن مبتغاهما. وتزكية نية القربة إلى الله، فتكتسب الروحانية شفافية. إن هذه النفوس أقرب ما تكون للالتئام والتحاب والتعاون إن تهذبت من كدورات الشهوات، وسمت عن الماديات. في رمضان تسود روحانية خاصة لولا تحويل الناس لياليه مناسبات للتخمة والعبث. فعلى جند الله أن يحافظوا للشهر المبارك بوظيفته، ويستمروا السنة كلها إن استطاعوا على ذلك المستوى من الشفافية، مستعينين بصوم الإثنين والخميس، والأيام البيض، ويوم عرفة لغير الحاج، ويوم عاشوراء، والستة من الشوال، ويكثروا الصيام في شعبان والمحرم. وعليهم أن يغنموا يوما في الأسبوع في الأسر للإفطار المشترك رجاء أن يجمع الله شملهم عنده في مقعد الصدق، يفرحون عنده كما يفرحون بالفطر جماعة. فإن للصائم فرحتان : إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه كما جاء في الصحيح. وليراقب المؤمنون أنفسهم، فمن لم تظهر نتائج الصيام في سلوكه، فليعلم أنه إنما جاع وعطش، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري وأصحاب السنن عن أبي هريرة : من لم يدع قول الزور والعمل به فلا حاجة لله في أن يدع طعامه وشرابه.

من كتاب: "المنهاج النبوي" للأستاذ عبد السلام ياسين


الأربعاء، أبريل 21، 2010

همم عالية


المرأة التي تريد عدل حجة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم
___________________________
عن بكر بن عبد الله المزني عن بن عباس قال: أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج فقالت امرأة لزوجها حجني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما عندي ما أحجك عليه قالت فحجني على ناضحك قال ذاك يعتقبه أنا وولدك قال حجني على جملك فلان قال ذلك حبيس سبيل الله قالت فبع تمرتك قال ذاك قوتي وقوتك فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة أرسلت إليه زوجها فقالت اقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام ورحمة الله وسله ما تعدل حجة معك فأتى زوجها النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن امرأتي تقرئك السلام ورحمة الله وإنها كانت سألتني أن أحج بها معك فقلت لها ليس عندي ما أحجك عليه فقالت حجني على جملك فلان فقلت لها ذلك حبيس في سبيل الله فقال أما أنك لو كنت حججتها فكان في سبيل الله فقالت حجني على ناضحك فقلت ذاك يعتقبه أنا وولدك قالت فبع تمرتك فقلت ذاك قوتي وقوتك قال فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبا من حرصها على الحج وإنها أمرتني أن أسألك ما يعدل حجة معك قال إقرأها مني السلام ورحمة الله وأخبرها أنها تعدل حجة معي عمرة في رمضان (رواه ابن خزيمة في صحيحه قال الألباني إسناده حسن صحيح)
____________

قصة عجوز بني إسرائيل
___________
فعن أبي موسى الأشعري قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- أعرابياً، فأكرمه فقال له: "ائتنا" فأتاه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سلْ حاجتك"، فقال: ناقة تركُبها، وأعنزا يحلبها أهلي.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل؟ قالوا: يا رسول الله وما عجوز بني إسرائيل؟
قال: "إن موسى لَّما سار ببني إسرائيل من مصر، ضلُّوا الطريق، فقال: ما هذا؟ فقال علماؤهم: إن يوسف لما حضره الموتُ أخذ علينا موثقاً من الله أن لا نخرج من مصر حتى تُنقل عظامه معنا. قال: فمن يعلم موضع قبره؟ قالوا: عجوز من بني إسرائيل، فبعث إليها، فأتته، فقال: دُليني على قبر يوسف، قال: حتى تُعطيني حكمي، قال: ما حكمك؟ قالت: أكونُ معك في الجنة.
فكره (موسى) أن يُعطيها ذلك، فأوحى الله إليه أن أعطها حكمها؟ فانطلقت بهم إلى بحيرة موضع مستنقع ماء، فقالت: أنضبوا هذا الماء، قالت: احتفِروا واستخرجوا عظام يوسف، فلما أقلُّوها إلى الأرض، إذا الطريق مثل ضوءِ النهار" (حديث حسن رواه أبو يعلى في مسنده، وابن حبان في صحيحه، وصححه الحاكم).
________________
قصة ربيعة بن كعب الاسلمي
________________
أخرج الإمام أحمد في مسندة من حديث ربيعة بن كعب برقم 16629
أنه قال :
كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقوم له في حوائجه نهاري أجمع حتى يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة فاجلس ببابه إذا دخل بيته أقول لعلها أن تحدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة فما أزال أسمعه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الله سبحان الله سبحان الله وبحمده حتى أمل فارجع أو تغلبني عيني فارقد.
قال فقال لي يوما لما يرى من خفتي له وخدمتي إياه سلني يا ربيعة أعطك قال : فقلت : أنظر في أمري يا رسول الله ثم أعلمك ذلك . قال : ففكرت في نفسي فعرفت أن الدنيا منقطعة زائلة وأن لي فيها رزقا سيكفيني ويأتيني قال : فقلت : أسال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لآخرتي فإنه مِن الله عز وجل بالمنزل الذي هو به قال : فجئت فقال : ما فعلت يا ربيعة ؟ قال : فقلت : نعم يا رسول الله أسالك أن تشفع لي إلى ربك فيعتقني من النار قال : فقال : من أمرك بهذا يا ربيعة ! قال : فقلت : لا والله الذي بعثك بالحق ما أمرني به أحد ولكنك لما قلت : سلني أعطك وكنت من الله بالمنزل الذي أنت به نظرت في أمري وعرفت أن الدنيا منقطعة وزائلة وأن لي فيها رزقا سيأتيني فقلت : أسال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لآخرتي قال : فصمت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) طويلا ثم قال لي : إني فاعل فأعني على نفسك بكثرة السجود ) .
حسن إسناده الشيخ الألباني في الإرواء 2/209
_____________
قصة أبي محجن الثقفي
_____________
أبو محجن الثقفي شاعر وفارس عربي مسلم مغوار من بني ثقيف، وكان رجلا من المسلمين قد ابتلى بشرب الخمر وطالما عوقب عليها ويعود ويعاقب ويعود فلما تداعى المسلمون للجهاد ولقتال الفرس في معركة القادسية خرج معهم أبو محجن وحمل زاده ومتاعه ولم ينس أن يحمل خمرا دسها بين متاعه فلما وصلوا القادسية طلب رستم مقابلة سعد بن أبي وقاص قائد المسلمين وبدأت المراسلات بين الجيشين عندها وسوس الشيطان لأبي محجن فاختبأ في مكان بعيد وشرب الخمر فلما علم به سعد غضب عليه وحرمه من دخول القتال وأمر أن يقيد بالسلاسل ويغلق عليه في خيمة. فلما ابتدأ القتال وسمع أبو محجن صهيل الخيول وصيحات الأبطال لم يطق أن يصبر على القيد واشتاق للشهادة بل اشتاق إلى خدمة هذا الدين وبذل روحه لله وإن كان عاصيا وإن كان مدمن خمر إلا أنه مسلم يحب الله ورسوله. وأخذ يترنم قائلا:

كفى حزنا أن تدخل الخيل بالقنى____وأترك مشدودا علي وثاقيا
إذا قمت عناني الحديد وغلقت____مصاريع دوني تصم المناديا
يُقَطِّع قلبي حسرةً أن أرى الوغى____ولا سامعٌ صوتي ولا من يَرَانيا
وأن أشهدَ الإسلام يدعو مُغَوِّثاً____فلا أُنجدَ الإسلام حينَ دعانيا
وقد كنت ذا مال كثير وإخوة____وقد تركوني واحدالاأخى ليا
فلله عهد لاأحيف بعهده ____لإن فرجت لاأزور الحوانيا


ثم أخذ ينادي بأعلى صوته إلى أن يلتفت إلى زوجة القائد سعد ويناشدها أن تطلق سراحه ليشهد المعركة معلناً توبته قائلا هذه الابيات

سُلَيْمى دعيني أروِ سيفي من العدا ____فسيفيَ أضحى وَيْحَهُ اليومَ صاديا

دعيني أَجُلْ في ساحةِ الحربِ جَوْلَةً ____تُفَرِّجُ من همّي وتشفي فؤاديا
وللهِ عهدٌ لا أَحيفُ بعهده____لئن فُرِّجت أَنْ لا أزورَ الحوانيا


فسألته امرأة سعد:" ماذا تريد؟" فقال :" فكي القيد من رجلي وأعطيني البلقاء فرس سعد، فأقاتل فإن رزقني الله الشهادة فهو ما أريد وإن بقيت فلك علي عهد الله وميثاقه أن أرجع حتى تضعي القيد في رجلي،" وأخذ يرجوها ويناشدها حتى فكت القيد وأعطته البلقاء فلبس درعه وغطى وجهه بالمغفر ثم قفز كالأسد على ظهر الفرس وألقى بنفسه بين يدي الكفار علق نفسه بالآخرة ولم يفلح إبليس في تثبيطه عن خدمة هذا الدين وحمل على القوم برقابهم بين الصفين برمحه وسلاحه، وتعجب الناس منه وهم لا يعرفونه ولم يروه بالنهار ومضى أبو محجن يقاتل ويبذل روحه رخيصة في ذات الله عز وجل . أما سعد بن أبي وقاص فقد كانت به قروح في فخذيه فلم ينزل ساحة القتال لكنه كان يرقب القتال من بعيد فلما رأى أبا محجن عجب من قوة قتاله، وقال الضرب ضرب أبي محجن والكر كر البلقاء وأبو محجن في القيد، والبلقاء في الحبس !! فلما انتهى القتال عاد أبو محجن إلى سجنه ووضع رجله في القيد، ونزل سعد فوجد فرسه يعرق فقال : ما هذا ؟ فذكروا له قصة أبي محجن فرضي عنه وأطلقه وقال : والله لا جلدتك في الخمر أبدا، فقال أبو محجن : وأنا والله لا شربت الخمر أبدا.
_________________________________
القصة وردت في:
"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر

"الإستيعاب في معرفة الاصحاب" لابن عبد البر

إقرأ أيضا:

الاثنين، أبريل 12، 2010

علو الهمة لطلب ما عند الله

بسم الله الرحمان الرحيم


يقول الله تعالى في محكم التنزيل في سورة آل عمران 133

سَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ

و في سورة الحديد يقول عز وجل:

سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }الحديد21

وقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم-: (إن الله يحب معالي الأخلاق، ويبغض سفسافها) أخرجه البيهقي والحاكم، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1378)

و قال عليه الصلاة والسلام :( لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم في طاعته )(رواه ابن ماجه).

أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء الفقراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلا والنعيم المقيم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضل من أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون . قال ( ألا أحدثكم بأمر إن أخذتم به أدركتم من سبقكم ولم يدرككم أحد بعدكم وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلا من عمل مثله ؟ تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين ) . فاختلفنا بيننا فقال بعضنا نسبح ثلاثا وثلاثين ونحمد ثلاثا وثلاثين ونكبر أربعا وثلاثين فرجعت إليه فقال ( تقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر حتى يكون منهن كلهن ثلاثا وثلاثين)

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
"
لا تصغرن ّ همتكم ، فإني لم أر أقعد عن المكرمات من صغر الهمم "

عرف ابن القيّم رحمه الله علوّ الهمة فقال :
(
علوّ الهمة ألا تقف - أي النفس - دون الله ، ولا تتعوض عنه بشيء سواه ،
ولا ترضى بغيره بدلا منه ، ولا تبيع حظها من الله وقربه والأنس به
والفرح والسرور والابتهاج به بشيء من الحظوظ الخسيسة الفانية )

كما يقول رحمه الله :(النفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء إلاّ بأعلاها وأفضلها وأحمدها عاقبة ، والنفوس الدنيئة تحوم حول الدناءات ، وتقع عليها كما يقع الذباب على الأقذار).

قال الحسن البصري رضي الله عنه : إذا رأيت الرجل ينافسك في الدنيا فألقِها في نحره، وإذا رأيت الرجل ينافسك في الآخرة فنافسه فيها

____________________

اقرأ أيضا في نفس الموضوع:

السبت، مارس 06، 2010

المدون البشير حزام في حوار مع موقع جماعة العدل و الاحسان

حاوره بتغجيجت: محمد القاديري

جرت بمنطقة تغجيجت إقليم كلميم احتجاجات طلابية في بداية دجنبر الماضي، تلاها تدخل أمني عنيف أسفر عن اعتقال المدون البشير حزام وبعض الطلبة ومسير نادي الانترنت.

حكم عليهم بمدد حبسية وغرامات متفاوتة، كما عرف ملفهم مواكبة إعلامية خاصة.

نستضيف المدون البشير حزام في هذا الحوار بعد خروجه من السجن ليتحدث عن طبيعة الأحداث التي وقعت وحيثيات الاعتقال والمحاكمة وظروف السجن وأجواء الخروج منه.

سؤال:

بداية أشكر الأخ المدون البشير حزام وعائلته على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة وأبدأ بالسؤال الافتتاحي من هو البشير حزام؟

جواب:

أشكر الطاقم المشرف على موقع جماعة العدل والإحسان aljamaa.com وأتمنى لهم دوام التوفيق والتألق. أنا البشير حزام من مواليد 1982 بتغجيجت تلقيت تعليمي الابتدائي والإعدادي بهذه المنطقة، ثم السنة الأولى والثانية ثانوي ببويزكارن حصلت على الباكالوريا سنة 2002 بتغجيجت، التحقت بعدها بكلية الشريعة بأيت ملول – أكادير تخرجت منها حاصلا على الإجازة في الشريعة والقانون سنة 2008.

سؤال:

ما هي اهتماماتكم في هذه المرحلة؟

جواب:

انخرطت مبكرا في العمل الجمعوي ضمن أنشطة الجمعيات المحلية وانخرطت في الأنشطة التلاميذية ثم الأنشطة الطلابية في صفوف فصيل طلبة العدل والإحسان.

سؤال:

لماذا التدوين الإلكتروني؟

جواب:

اكتشفت عالم التدوين الإلكتروني عندما كنت طالبا حيث اطلعت على مقالات ومحاضرات أحد أساتذتي نشرها بمدونته الشخصية فبحثت عن كيفية إنشاء مدونة خاصة وهذا ما تمكنت منه على اعتبار أن ذلك متاح لكل شخص يتعامل مع شبكة الإنترنت مجانا. فأنشأت مدونتي الخاصة سميتها مدونة "البشرى" كواجهة إعلامية لنشر أفكاري وآرائي، كما أردت أن أتواصل عبرها مع باقي المدونين نظرا لما تتيحه هذه الوسيلة من حرية نسبية في التعبير والسرعة في التواصل والإفلات من كثير من الرقابة المفروضة على باقي وسائل الإعلام الأخرى.

سؤال:

لم تعرف الأحداث التي جرت بتغجيجت إلا بعد اعتقالكم فكان الزخم الإعلامي الذي واكب اعتقالكم أكثر من تغطية الأحداث فما الذي جرى بتغجيجت؟

جواب:

باختصار نظم الطلبة المنحدرون من تغجيجت وقفة احتجاجية سلمية يطالبون فيها بمطالب عادية وبسيطة مثل النقل، المنح الدراسية، الخزانة، دعم البنيات التحتية بالمنطقة: دور الشباب، المكتبات العمومية دعم بحوث الطلبة وغيرها من المطالب الاجتماعية التي يطالب بها باقي سكان المغرب.

سؤال:

هل كانت هذه الاحتجاجات طلابية ثم تبناها المجتمع بعد ذلك أم أنها طلابية محضة؟

جواب:

كانت في بدايتها طلابية صرفة لكن بعد التدخل الأمني العنيف وتعرض الكثير من أبناء تغجيجت للضرب المبرح والرفس ومختلف أنواع الإهانة أمام مرأى ذويهم وأقاربهم وتحت أنظار كل ساكنة تغجيجت. تحولت هذه الاحتجاجات إلى شأن محلي يهم كل ساكنة تغجيجت التي استنكرت عنف قوات الأمن والتفت حول الطلبة وساندتهم.

سؤال:

مادامت هذه الأحداث سلمية ومطالبكم معقولة ما الداعي إلى الإفراط في العنف من قبل السلطة؟

جواب:

هذا هو السؤال الذي حير سكان تغجيجت، فالوقفة الاحتجاجية كانت سلمية ورفعت فيها شعارات مسؤولة وتم تطويقها من قبل رجال الأمن والدرك والقوات المساعدة فانهالوا على المحتجين بالرفس والضرب وسائر أنواع العنف والقمع أمام مرأى ذويهم فطبيعي أن تصدر بعض ردود الفعل البسيطة التي لا ترقى إلى مستوى عنف رجال السلطة.

سؤال:

بعد هذه الأحداث هل تم انتقاء المعتقلين عشوائيا أم بناءا على لوائح معدة سلفا؟

جواب:

لا يمكن الجزم بذلك، كل ما رشح من معلومات من أعوان السلطة أن هذه الأخيرة وضعت لوائح لكل النشطاء وكل الموجودين بهذه الوقفة الاحتجاجية.

سؤال:

هل تم اعتقالكم إبان الأحداث أم بعد انتهاء الاحتجاجات؟

جواب:

تم اعتقال ثلاث طلبة في ذلك اليوم 01/12/2009 بعد الوقفة الاحتجاجية السلمية، ومسير نادي الإنترنت تم اعتقاله في اليوم الرابع من الأحداث بعد اقتحام ناديه من طرف الدرك وحجز ما فيه من المعدات الإلكترونية. كما تعرض بدوره عند اعتقاله لأبشع صنوف التعذيب والإهانة، أما أنا فقد استدعيت بعد ذلك من قبل مركز الضابطة القضائية بكلميم.

سؤال:

بعد استجابتكم لاستدعاء الضابطة القضائية على ماذا كان التركيز أثناء الاستنطاق؟

جواب:

في البداية كان التركيز على بيان الطلبة المحتجين الذي نشرته بمدونتي الخاصة ثم سألوني عن مشاركتي في هذه الأحداث، وهو ما نفيته بالمطلق لأنني فعلا لم أصل إلى مكان الاحتجاجات إلا بعد فض الوقفة الاحتجاجية بالعنف في ذلك اليوم و لم أشارك فيها. وحاول المحقق استدراجي إلى الاعتراف بالمشاركة في الأحداث تارة بالسب والاستفزاز وتارة بأسئلة ملغومة، كما سألوا عن مقال قديم نشرته حول الانتخابات السابقة بعنوان: "الوعود الانتخابية حقيقة أم خيال" وركزوا كثيرا على عبارة وردت في المقال كتبت فيها "يجب على كل الغيورين الالتفاف على ميثاق وطني يحدد معالم النظام السياسي" فوقفوا كثيرا على معنى "النظام السياسي" فكان جوابي أن هذا الميثاق هو ما فتأت جماعة العدل والإحسان التي أنتمي إليها تدعو إليه منذ سنوات وطبيعة النظام السياسي الذي تنشده هو الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة كما تبشر بها الأحاديث النبوية، وأدبيات الجماعة في هذا الشأن معروفة ومنشورة ولا غبار عليها. وسألوا كثيرا على بعض مواقف الجماعة وآرائها السياسية ومن الأسئلة المضحكة التي طرحت علي "من ترشح أن يكون خليفة للمسلمين؟"

سؤال:

هل حاولوا أثناء الاستنطاق ربط انتماءك لجماعة العدل والإحسان بأحداث تغجيجت؟

جواب:

أبدا، لأنهم يعلمون جيدا مواقف الجماعة واحتجاجات تغجيجت طلابية صرفة لم يكن لي ولا للجماعة يد فيها.

سؤال:

من خلال سيرورة التحقيق هل لامست تغيرا في أسلوب تعامل المحققين بعد أن عرفوا أنك عضو من جماعة العدل والإحسان؟

جواب:

لم ألاحظ ذلك إنما في البداية حاول أحد المحققين استفزازي بالسب والشتم وأساليب الإهانة خاصة عندما لاحظ إصراري على عدم المشاركة فيها لأن هذا هو الواقع. فتدخل محقق آخر وقال لصاحبه إن أعضاء جماعة العدل والإحسان نشيطون وصادقون ولا يكذبون فيما يقولون فكف المحقق الأول بعد ذلك عن أسلوب الاستفزاز وسلك مسلك الحوار الهادئ.

سؤال:

بعد حضور الجلسة الأولى بالمحكمة الابتدائية بكلميم ماذا كنتم تتوقعون؟

جواب:

في الحقيقة بعد الاستنطاق وتقديمي لوكيل الملك كنت أتوقع كل شيء خاصة أن هناك تناقض كبير بين ما صرحت به في محاضر الضابطة القضائية ولائحة الاتهام التي تضم المشاركة في التجمهر المسلح وهانة موظفين عموميين أثناء قيامهم بعملهم واستعمال العنف في حقهم وتعييب شيء مخصص للمنفعة العامة والتحريض على التمييز العنصري والكراهية والعنف ونشر معلومات من شأنها أن تسيء إلى سمعة المغرب في مجال حقوق الإنسان.

فمن جهة نفيت المشاركة في الأحداث الاحتجاجية والبيان الذي نشرته بمدونتي عادي ولغته بسيطة يضم مطالب الطلبة وليس فيه ما يمس بأحد من رموز السلطة، فكنت أتوقع تبرئتي وإخلاء سبيلي. كذلك قامت هيئة الدفاع مشكورة بعمل جبار تمكن السادة المحامون من دحض ادعاءات النيابة العامة ولم يبق في نظرنا ما يدعو إلى الزج بنا في السجن وسياق المحاكمة كله يسير في اتجاه الحكم ببراءتنا.

سؤال:

هل فاجأكم الحكم الصادر في حقكم؟

جواب:

نعم فوجئنا به كما فوجئت هيئة الدفاع فخرجنا مقتنعين أن المحكمة تعاملت مع الملف سياسيا والأحكام الصادرة في حقنا كما يبدو لم تكن بناء على حيثيات المحاضر بل وفق منطق آخر نجهله.

سؤال:

هل تريد السلطة إيصال رسالة ما إلى ساكنة تغجيجت عبر هذه الأحكام؟

جواب:

أكيد فالتدخل الأمني العنيف وأجواء الاعتقال وطبيعة التهم والمحاكمات والأحكام بالسجن والغرامات كان الهدف منها إخماد نضالات سكان تغجيجت ومحاولة تخويف الطلبة المناضلين وكافة نشطاء المجتمع المدني لثنيهم عن مواصلة النضال والاحتجاج، وهكذا تتعامل السلطة دائما مع نضالات الساكنة إذا عجزت عن الاستجابة لمطالبهم أو محاورتهم فتلجأ إلى أسلوب التهديد والوعيد.

سؤال:

بعد الحكم الابتدائي تم نقلكم إلى سجن تزنيت حوالي 150 كلم عن كلميم ما هي ظروفكم بهذا السجن؟

جواب:

وضعيتنا بسجن تزنيت مزرية فقد حشرونا مع سجناء الحق العام في زنازين جد مكتظة إلى درجة أنني كنت أنام بجانب باب الغرفة على الأرض في غياب الأسرة قبالة الباب مباشرة، فأضطر إلى جمع أغراضي عند الدخول والخروج باستمرار وهذا جد مزعج. فطالبنا إدارة السجن بجمعنا نحن معتقلي تغجيجت باعتبارنا سجناء رأي في مكان واحد، وطالبنا كذلك بمدنا باللوازم الضرورية: بطانية وسرير على الأقل. وأمهلنا المسؤولين عن السجن مدة معينة وعندما لم يستجيبوا لمطالبنا أصدرنا بيانا يشير إلى وضعيتنا نشر بوسائل الإعلام خاصة الإلكترونية. وبعد ذلك تحاورنا مع بعض المسؤولين لمدة يومين وتمت الاستجابة لبعض مطالبنا فجمعونا في زنزانة وإن كان فيها سجناء آخرين، وحصلنا على الأسرة أما الوجبات الغذائية التي تقدم للسجناء فيأنف من أكلها الحيوان ما بالك بالإنسان واضطررنا لإعداد الوجبات بأنفسنا والاستغناء عن وجبات السجن.

سؤال:

بعد تأجيل الجلسة الاستئنافية الأولى كيف مرت محاكمة الاستئناف الثانية يوم 08/02/2010؟

جواب:

تأجلت الجلسة الاستئنافية الأولى التي انعقدت يوم 18/01/2010 بسبب ارتباط بعض المعتقلين بالامتحانات فعرفت الجلسة الاستئنافية يوم 08/02/2010 حضورا إعلاميا واسعا وهيأة دفاع مكونة من أكثر من ثلاثين محاميا من مختلف الهيئات بالمغرب بالإضافة إلى عائلاتنا وبعض الأصدقاء والمدونين ونشطاء حقوقيين فضلا عن بعض إخواني في جماعة العدل والإحسان.

وركزت هيئة الدفاع في دفوعاتها الشكلية على براءتنا من المنسوب إلينا وقام السادة المحامون كما في السابق بمرافعات متقنة استطاعوا من خلالها تفنيد كل التهم الموجهة ضدنا، وكشفوا عن تناقضات وخروقات شابت محاضر الضابطة القضائية، كما أن النيابة العامة عجزت عن إثبات هذه التهم بأدلة واضحة وقانونية، فكان انطباعنا وانطباع هيئة الدفاع وكل الحاضرين هو الحكم ببراءتنا قبل النطق به من قبل هيئة المحكمة. لكن فوجئنا كما في السابق بإصرار هيئة المحكمة على إدانتنا وإن تم تخفيض مدة السجن بالنسبة لي من أربعة أشهر إلى شهرين والآخرين من ستة أشهر إلى شهرين وعبد الله بوكفو مسير نادي الانترنت من سنة إلى ثمانية أشهر. وهي أحكام جد قاسية بالنظر إلى حيثيات ملفنا وليس هناك أي سند واقعي ولا قانوني للتهم التي وجهت إلينا.

سؤال:

ما وقع حكم الاستئناف عليكم بعد النطق به؟

جواب:

كان مفاجأة خصوصا أننا كنا متأكدين من براءتنا. وبقدر فرحتنا بمعانقة الحرية لأن السجن رهيب ولو كان يوما واحدا فهي فرحة ناقصة لأننا خلفنا وراءنا سجناء آخرين وراء القضبان لن تكتمل الفرحة إلا بعد خروجهم جميعا.

سؤال:

من المعروف أن السجناء الآخرين لهم انتماءات تنظيمية مختلفة ومرجعيات فكرية متباينة: يسار وأمازيغيون وأنت من العدل والإحسان. هل شكل السجن مناسبة للحوار وتبادل وجهات النظر بينكم؟

جواب:

نعم، رغم ما أشرت إليه من اختلاف المشارب الفكرية فقد تشكلت فيما بيننا وشائج الألفة والمودة والتضامن ولم نحس أننا مختلفين، نعم جرت بيننا في بعض الأحيان نقاشات تبادلنا خلالها وجهات النظر في الهموم المشتركة وقضايا منطقتنا ولم يكن اختلاف المرجعيات الفكرية يمنع من تفاهمنا وتضامننا، وأعتقد أنهم خرجوا بانطباعات جيدة عن الإسلاميين وجماعة العدل والإحسان على وجه الخصوص، خاصة أنني كنت أنصت إليهم كثيرا وأتفادى الخوض في تفاصيل القضايا الخاصة جدا فكنت أركز أكثر على ما يجمعنا وليس ما يخص كل طرف لوحده. فالمعتقلون خاصة اليساريون اندهشوا لما لامسوه من التقارب الحاصل بيننا فربما الكثير من الحواجز التي يتصورونها كانت نفسية بالدرجة الأولى وليست واقعية. فبالنقاش الهادئ تتضح الرؤى والمواقف، فإن لم يكن للسجن فضل فهذه مزية كبيرة.

سؤال:

حظيتم بباب السجن بعد خروجكم باستقبال كبير وبمنطقتكم تغجيجت ما هو شعوركم إبان ذلك؟

جواب:

حقيقة كان الاستقبال رائعا بهرني كثيرا خاصة أنني وجدت بباب السجن إخواني من جماعة العدل والإحسان ووسائل الإعلام وبعض المحامين فضلا عن إخواني وأصدقائي، أما بمنطقة تغجيجت فحفاوة الاستقبال ليست غريبة لما بين الناس من أواصر القربى والجوار فعندما يحل مكروه بأحد يسارع كافة الناس إلى مواساته والتضامن معه. وبوادينا مازالت فيها قيم التضامن والمواساة حية وقوية. فلامست في عموم الناس مظاهر الحفاوة والفرحة الغامرة، أعجز حقيقة عن وصف مشاعري أو التعبير عما أكنه لهم ولعائلتي من الحب والتقدير.

سؤال:

هل هذا يجعلكم أكثر إصرارا على الاستمرارية على هذا المنوال؟

جواب:

فرحة الناس لدى استقبالهم لي لها أكثر من دلالة جعلتني أحس بواجب المسؤولية تجاههم على الأقل اجتماعيا وجعلتني أكثر عزما على المواصلة في درب مناصرة قضايا المستضعفين والتعبير عن همومهم بما توفر لدي من إمكانيات على قلتها.

سؤال:

كيف ترون ملف حقوق الإنسان وحرية التعبير بالمغرب في زمن التدوين والتضامن الإلكترونيين؟

جواب:

بناء على تقارير المنظمات الحقوقية الدولية والوطنية فوضعية حقوق الإنسان وحرية التعبير في تقهقر وتراجع والدليل على ذلك محاكمة المدونين ورجال الصحافة وإقبار الجرائد والمجلات.

والتدوين الإلكتروني شكل من أشكال حرية التعبير وهذا الشكل المنفلت نسبيا من القيود والرقابة يتطور باستمرار، مما يتيح للجميع المساهمة في تنمية الوطن كل من موقعه. والزخم الإعلامي الذي يثيره المدونون داخليا وخارجيا حول القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان من شأنه أن يشكل ضغطا كبيرا على السلطات المعنية ويلزمها على احترام هذه الحقوق. من جهة أخرى يتيح الاتصال عبر الانترنت داخليا وخارجيا فرصا كبيرة للتواصل والتضامن، فلقد ساندني الكثير من المدونين عبر الانترنت داخليا وخارجيا ولم يحصل التعارف معهم إلا أثناء هذه المحنة.

وهذا الجانب الإيجابي للتدوين الإلكتروني يدعوني قبل أي وقت مضى إلى تطوير تجربتي في هذا الميدان، لما يتيحه من التواصل اللامحدود للاستفادة من تجارب الآخرين وتبادل الأفكار معهم، شريطة أن يكون هذا التدوين مسؤولا ينضبط لأخلاق الحوار الجاد و احترام خصوصيات الآخرين. فأنا أدعو من هذا الباب كافة الشباب إلى الاستفادة من تقنيات هذا المجال الفسيح لإبراز مؤهلاتهم ومواهبهم والتعبير عن طموحهم وتطلعاتهم.

فالتدوين الإلكتروني المسؤول لا شك سيساهم في نشر ثقافة حقوق الإنسان والحد من محاولة المس بها من أي طرف كان. فكل الذين تضامنوا معي بناء على أنني اعتقلت بسبب نشر أفكاري إنما يتضامنون مع مبدأ احترام حرية الرأي والتعبير.

سؤال:

هل تعرضت العائلة الوالد والإخوة لمضايقات في الفترة التي قضيتها في الاعتقال؟

جواب:

تم استدعاء والدي وسألوه عن إخوتي أين يوجدون؟ أين يعملون؟ وأسئلة من هذا القبيل وبالنسبة لشخص في مثل سن والدي فمجرد الاستدعاء يشكل مضايقة فضلا عن السؤال. كما لامست أن أشخاص يراقبون بيتي بعد خروجي من السجن يراقبون الزوار الذين جاؤوا لتهنئتنا و يقومون بتسجيل أرقام السيارات التي زارتنا في بيتنا وهذا ليس غريبا في مغربنا الحبيب.

سؤال:

في الختام، ما هي الدروس التي استخلصتموها من مدرسة السجن؟

جواب:

أولا، قناعاتي راسخة والمبادئ التي أومن بها وتربيت عليها لا يمكن للسجن أو القمع أن يغيرها بل ازددت إيمانا بها وقوة على التمسك بها والدفاع عنها. من جهة أخرى مكنتني هذه المحنة/المنحة من تواصل شاسع مع المدونين ورجال الإعلام وعموم المناضلين محليا ووطنيا ودوليا. كما أن اعتقالنا ومحاكمتنا أثار الانتباه إلى حقوقنا ومطالب منطقتنا تغجيجت التي تعاني كغيرها من بوادي المغرب من التهميش والإقصاء والحرمان.

سؤال:

كلمة أخيرة الأخ البشير حزام.

جواب:

في الأخير أود من خلال هذا المنبر الإعلامي الأصيل أن أتقدم بالشكر والعرفان لكل من ساندني خلال هذه المحنة: كل أفراد عائلتي وكافة الأهل والأصدقاء عموم سكان تغجيجت وإخواني في جماعة العدل والإحسان الذين غمروني بموفور احتضانهم منذ اليوم الأول من ولوجي السجن. والسادة المحامون أعضاء هيئة الدفاع وجمعية المدونين وكافة المدونين مغاربة وأجانب ورجال الإعلام والصحافة والنشطاء الحقوقيين وأخص بالذكر المركز المغربي لحقوق الإنسان الذي أصدر بيانا على أعلى مستوى لمساندتنا.

تاريخ النشر: الخميس 4 مارس/آذار 2010

منقول من موقع جماعة العدل و الاحسان

اقرأ أيضا

أوقفوا المحاكمات الصورية
ملف الأخت حياة