ذة.فاطمة العرباوي 23 أكتوبر 2008
كنت جالسة في شرفة المنزل، أنصت إلى آيات القرآن الكريم تنساب من المذياع كنسمات الهواء العليل، وتتغلغل في أعماق قلبي، فترفرف معها روحي عاليا في السماء. لم يوقظني من الهيام في ملكوت الله إلا صراخ ينبعث من بيت الجيران. بدا من الواضح أنه لزوجين متخاصمين علت أصواتهما باللوم والتوبيخ والكلمات الجارحة... انتهت تلك المعركة بضرب الزوج لزوجه وخروجه من البيت صافعا وراءه باب المنزل بكل ما أوتي من قوة، معركة انتصر فيها الشيطان الرجيم مخلفا وراءه قلوبا منكسرة و جروحا تنزف و أطفالا حيارى منكسري الخاطر.
في خضم تلك الأحداث المتسارعة جال في خاطري خلق الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم كيف كان الزوج الرحيم بأزواجه أمهات المؤمنين، أدب جم وخلق رفيع وفهم لنفسية المرأة وتعامل في غاية الرقة والحنان، فهو الذي أوصى خيرا بالنساء عند قوله: "رفقاً بالقوارير" رواه أحمد. وقوله: "استوصوا بالنساء خيرا" رواه البخاري . وهو الذي قال لعائشة رضي الله عنها: "عليك بالرفق، فإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه" رواه مسلم.
إن كثيرا من البيوت الزوجية اليوم تفتقد حلقة مهمة لتحقيق حسن العشرة بين الزوجين، هذه الحلقة هي الرفق والرحمة وهي السر الغامض والوصفة العجيبة للحياة السعيدة. فبسبب ضغط الحياة اليومية وخروج المرأة إلى ميدان العمل وإثقال كاهلها بكثرة المسؤوليات داخل وخارج البيت، من سهر على تربية الأبناء واهتمام بشؤون البيت، وتعب الرجل وكده في العمل طوال اليوم، وتذمره من راتب ضئيل لا يلبي متطلبات أسرته واحتياجاتهم، تتولد في نفس كلا الزوجين ضيق في الخلق وإحساس بالسخط والغضب وعدم الرضا بالأوضاع.
أمام تأثير هذا الضغط المتزايد للمشكلات اليومية على نفسية الزوجين يجب عليهما أن يسعيا للتخفيف عن بعضهما البعض، وذلك بالتعاون والتآزر واقتسام المسؤوليات بينهما ومحاولة خلق جو من التسامح والرحمة وفتح باب الحوار الهادئ والصريح بين الزوجين لإيجاد الحلول للمشاكل العالقة بدل إلقاء اللوم وتبادل التهم والصراخ عند مواجهة أي مشكل. فعلى الزوجين أن يجملا أعمالهما اليومية بالإيمان و التقوى واحتساب الأجر عند الباري جل و علا ليسعدا دنيا و أخرى.
أيها الزوج الحبيب عليك أن تنظر إلى زوجك شريكة حياتك ورفيقة عمرك وأم أولادك بمنظار العطف والحنان والرحمة والرفق والمحبة، فأنت بذلك تكون قد امتثلت لوصية نبيك صلى الله عليه وسلم وارتفعت في درجات الخيرية وأعطيت الدليل والبرهان على حسن خلقك وكمال رجولتك، وذلك بفهم النفسية المرهفة للمرأة. وقد أصاب الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم في وصف رقتها وما هي عليه من مشاعر فياضة يسهل التأثير فيها، بآنية الزجاج الرقيقة السهلة الكسر لكن روحها شفافة وواضحة في أمس الحاجة إلى نعومة التعامل من الزوج، والكلمة الطيبة الحنونة التي تدخل الفرحة والسرور على قلبها وتجعلها تعطي لزوجها وأولادها وبيتها بدون حدود، والإحسان إليها باحترامها وعدم إهانتها أمام أولادها وأهلها ومراعاة شعورها وإحساسها والتلطف معها في الحديث، وبذلك تكون قد وفرت على نفسك أيها الزوج الحكيم النكد وكثرة الشكوى، وزرعت في بيتك شجرة وارفة الضلال تطرح ثمارها الطيبة كل حين.
وعليك أيتها الزوج الحبيبة أن تراعي حق زوجك عليك فتكوني له الصدر الحنون والأم العطوف والمساند القوي في المشاكل والأزمات كما كانت أمنا خديجة رضي الله عنها لسيد البشر الحبيب صلى الله عليه وسلم. ولا تثقلي كاهله بكثرة المطالب، بل راعي ظروفه المادية والمعنوية، واجعلي من بيتك روضة من رياض الجنة بحسن عشرتك وتدبيرك.
فعليكما أيها الزوجان الحبيبان أن تقرنا الرفق والمحبة بالإيمان والتقوى سالكين درب المتقين الطامعين فيما عند الله عز و جل.
منقول من موقع أخوات الآخرة