الجمعة، فبراير 27، 2015

انتفاع السعي على الميت


الأموات قد طُويت صحف أعمالهم، وقد خُتم عليها، فلا يستطيعون زيادة في الحسنات، ولا نقصاً من السيئات؛ (إلا ما ذكر في الحديث الشريف: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث،...)وذلك لأنهم أنهوا حياتهم، ودخلوا في عالم البرزخ الذي هو أول منازل الآخرة، فكأنه ختم على أعمالهم، ولكن الأحياء قد يهدون إليهم بعض الأعمال. 
ويشهد لهذا كثير من النصوص الشرعية التي تفيد أن المؤمن يصل إليه ثواب العمل الصالح من غيره، وفي الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه"[البخاري (1952)]، وأما عن وصول ثواب الحج فهذا أمر ثابت أنه يصل للميت ثواب الحج إذا أداه عنه الحي، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ: "إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ، أَفَأَحُجَّ عَنْهَا؟" قَالَ: "نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟" قَالَتْ: نَعَمْ. فَقَالَ: "اقْضُوا اللَّهَ الَّذِي لَهُ فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ" [البخاري (7315)]. وقال- عليه السلام- للرجل الذي حج عن غيره قبل أن يحج عن نفسه: "حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة"[صحيح الجامع للألباني (3128)]. وروي أن عائشة -رضي الله عنها- اعتكفت عن أخيها عبد الرحمن بعد موته وأعتقت عنه.

وأما وصول ثواب الصدقة فجاء في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها-: "أن رجلاً أتى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله! إن أمي افتلتت نفسها، ولم توصِ، وأظنها لو تكلمت تصدقت، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: : "نعم"البخاري (1388) ومسلم (1004)].
وقال سعد للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن أمي ماتت، أفأتصدق عنها؟" قال: "نعم" قال: فأي الصدقة أفضل؟ قال: "سقي الماء" [النسائي (3666) وصححه الألباني] وفي الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر عن عمته، أنها حدثته عن جدته، أنها جعلت على نفسها مشياً إلى مسجد قباء، فماتت ولم تقضه، فأفتى عبد الله بن عباس ابنتها أن تمشي عنها.
وقد دل على انتفاع الميت بالدعاء إجماع الأمة على الدعاء له في صلاة الجنازة، والأدعية التي وردت بها السنة في صلاة الجنازة مستفيضة، فعن عوف بن مالك: أنه -صلى الله عليه وسلم- صلى على ميت، يقول عوف: فحفظت من دعائه قوله
: "اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله".
يقول عوف: حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت؛ لدعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- له [مسلم (923)]، وهذا تعليم منه لأمته أن يدعوا بمثل هذه الدعوة وإن لم تكن معينة مخصصة، بل يدعون بها وبما يماثلها، ولو كان ذلك لا ينفع الميت لم تشرع هذه الصلاة التي هي صلاة الجنازة
وقد استدل بعض علمائنا على قراءة القرآن على القبر، بحديث العسيب الرطب الذي شقه النبي -صلى الله عليه وسلم- اثنين، ثم غرس على هذا واحداً وعلى هذا واحداً، ثم قال
"لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا" [البخاري (1361)].


نسأل الله حسن الخاتمة، وبرد العيش بعد الموت، ربنا اغفر لنا وارحمنا، وعافنا واعف عنا، اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، و انفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اقرأ أيضا

أوقفوا المحاكمات الصورية
ملف الأخت حياة